مريم: السّوريّة, الصّيدلانيّة, والأمّ
مريم, صيدلانيّة شابّة,مقرّها في دمشق. تعمل مع فرق أطبّاء العالم في شمال سوريا منذ أكثر من سنة. كما هو الحال لمعظم زملائها السّوريّين, فإنّ العمل لدى أطبّاء العالم هو وسيلتها لمحاربة الأزمة الّتي تهزّ بلدها, وللمساهمة في تخفيف معاناة شعبها. تتردّد في كلماتها كلّاً من شغفها لعملها كصيدلانيّة, وقلقها لمواجهة الهموم اليوميّة وغياب المستقبل.
في آب 2012, عندما قرّر زوجها, الّذي يعمل كطبيب في الجيش, أن يهرب, لم يكن لدى مريم الخَيار سوى الفرار.حيث أنّ عائلتها من قرية تبعد 15 كلم عن الحدود التّركيّة- السّوريّة, المنطقة الّتي فرّت مريم إليها هي وزوجها وإبنتها الصّغيرة.
بدأت مريم بالعمل لدى أطبّاء العالم بعد شهرين من وصولها, في البدء كصيدلانيّة ثمّ كمشرفة.
” لقد اختار أطبّاء العالم أن يركّزوا برامجهم في سوريا على الرّعاية الصّحيّة الأوّليّة والصّحّة الإنجابيّة. بالنّسبة لي, هناك احتياجات كبيرة في هذه القطاعات, والّتي لا تغطّيها المنظّمات الأخرى. هذا الخيار منطقيٌّ جدّاً بالنسّبة لي, كصيدلانيّة, وأيضاً كإمرأة, وكأمّ. لديّ طفلة صغيرة, ويمكنن أن أتصوّر ما هو عليه أن تستيقظ في منتصف الّليل وتجد طفلك يعاني من حرارة مرتفعة, وليس لديك أحد تلجأ إليه, ولا مكان تذهب إليه للحصول على الأدوية المناسبة.”
” هناك قضايا لا تحصى في سوريا في الوقت الرّاهن, وليست كلّها ترتبط بالتّفجيرات, والعنف, هناك أشخاص يعانون من السّكّريّ, الأمراض المزمنة,ولا يمكن رعايتهم.”
تؤكّد مريم على التّطوّر في عملها من صيدليّة خاصّة في دمشق إلى دورها كمشرفة في الصيّدليّة في أطبّاء العالم.”
كان يستطيع المرضى أن يشتروا الأدوية الّتي يحتاجونها من الصّيدليّات قبل الحرب , في سوريا. لم يكن هناك سيطرة على الإطلاق. كان الأمر محبطاً بالنّسبة لي كصيدلانيّة, لأنّني إذا رفضت أن أبيع دواء يمكن أن يكون خطيراً للمريض, كنت أعرف أنّه سيحصل عليه من الصّيدليّة الأخرى. تكمن مشكلة هذا التّصرّف أنّ المقاومة لبعض المضادات الحيويّة تصبح أقوى وأقوى. يوجد لهذا السّبب في سوريا علاجات ليست موجودة في مكان آخر. هذا يعني على المدى الطّويل, أنّ بعض الأمراض ستصبح غير قابلة للعلاج.”
نعمل في أطبّاء العالم كثيراَ مع الأطبّاء, ونفكّر جيّداً في كلّ دواء نستعمله في مراكزنا. نحاول أن نرفع مستوى الوعي لدى المرضى. ولكن هذا شيء صعبٌ حقّاً: اعتاد النّاس على ذلك, وهذا في سياق تفكيرهم. يواجه الأطبّاء ضغطاً شديداً من المرضى, الّذين يعتقدون أنهم يعرفون الدّواء المناسب لهم. نستطيع من خلال أطبّاء العالم أن نغيّر الأمور نوعاً ما.
وتتحدّث مريم أيضاً عن المشاريع والأقارب الّذين تركتهم وراءها في دمشق.
“ألديك فكرة, أنّه قبل ثلاث سنوات لم نفكّر مطلقاً أنّ كلّ هذا سوف يحدث. قبل أيّام قليلة من أن يقرّر زوجي أن يترك الجيش, كنّا نقوم لستّ أشهر بمشروع لشراء بيت جديد. كنّا نتحدّث عن سرير جديد لإبنتنا. ولم نقم بشرائه أبداً.”
“ما يزال جزء كبير من عائلتي يعيش في قريتي, والّتي تعتبر آمنة. ولكن ظروفهم المعيشيّة غير إنسانيّة: لا كهرباء, لا مياه للإستخدام, والتّواصل مستحيل. والوضع هو نفسه في المخيّمات.”
تصفُ مريم عدم استقرارها بسبب المنفى وخوفها من أن ترمى مرّة أخرى في طرق التّجوّل.
” لقد مضى سنتان ولا أملك فعليّا منزلاً وأضع ملابسي في حقيبة. ويمكن أن يجبرونا على مغادرة هذا المكان غداً.”
يوماً بعد يوم, يصبح المستقبل أصعب للتّصوّر.”
” أملك هذا الشّعور أنّني سوف أبقى هنا. وليس لديّ خيار سوى الإنتظار. يعمل زوجي في حلب, يرحل لأسبوعين أو ثلاث أسابيع وثمّ يعود إلى هنا لبضع أيّام. وعندما يرحل, لا أعرف أبداً إذا كان سيعود, أو إن كنت سأراه مجدّداً على قيد الحياة. لقد توقّفت عن النّظر إلى المستقبل. أنظر إلى الحاضر, أنظر إلى نهاية الأسبوع, ليس أكثر… تحتاج سوريا عشر سنوات لتتعافى من هذه الحرب, إذا كانت ستتعافى أساساً. ولا أعرف إن كان الشّعب السّوريّ قادراً على العيش معاً مجدّداً. ولا أعرف إن كنت قادرة أن أتقبّل الأشخاص الّذين بقوا مع النّظام, ولا أعرف إن كان هؤلاء الأشخاص قادرين أن يتقبّلونني.”