سنتان وعمر من الزمن… News

سنتان وعمر من الزمن…

سنتان وعمر من الزمن…

جاد ، خياط يعشق حياكة اللحظات السعيدة. وهو معروف أيضاً بتصميمه لأجمل فساتين الأعراس في حيّه في حلب.

لم يتصور جاد أنه سيغادر يوماً سوريا، موطنه العزيز. ولكن بعد تعرّض منزله للقصف، اضطر إلى الفرار لإنقاذ عائلته. أجبر على ترك الحياة التي بناها هناك. سافر إلى لبنان، متمنّياً أن يستمر بالرغم من صعوبة الظروف.

استقرّ أولاً في جنوب لبنان، بعد أن أخبروه عن الفرص السانحة هناك. لكن مع مرور الأيام، إكتشف أن الأمر لن يكون بالسهولة التي تخيّلها. وسرعان ما تحوّل حلم إعادة بناء حياته إلى كابوس. كان يعامَل معاملة سيّئة في العمل وبعض الناس كانوا يسيئون إليه بحجّة أنّه لاجئ. لم يعد قادراً على أن يكون الأب والزوج والخيّاط الذي كان عليه من قبل. شعر بأنه فقد كرامته.

في كل يوم، كان لديه أمنية: أن ينام ولا يستيقظ.

بدأ الأشخاص من حوله يحاولون إقناعه بأنّه “مجنون” ممسوس بالشياطين. كان يشعر بأنه بمثابة زائر في منزله، وسيطرت أفكاره السوداء عليه. كان معتاداً على حياكة الفساتين البيضاء، وكان يعشق الأوقات السعيدة، ولكنّه شعر بأنّه يحضّر لجنازته.حاول الانتحار، وأنقذته زوجته في الوقت المناسب، وطلبت المساعدة من والديه اللذين كانا يعيشان في البقاع. فطلبوا منهم العيش معهم. لم يعد أيضاً قادراً على العمل. كانت أفكاره مثقلة، لدرجة أنّه كان لا يستطيع التنفس.عندما وصل إلى البقاع، شعر بالوحدة، كان غريباً عن نفسه وهو يتجوّل في طرق مجهولة. قرّرت عائلته اصطحابه إلى طبيب الأعصاب الذي وصف له أدوية جعلت حالته أسوأ. كان الجميع قلقًا بشأنه، إلى أن اخبره جاره عن أحد مراكز الرعاية الصحية الأوّلية حيث تعمل منظمة أطباء العالم. عرف جاره أنّ جاد بحاجة إلى دعم نفسي، إذ مرّ من قبله بموقف مشابه. كانت الصحة النفسية مصطلحًا غير مألوف لجاد وعائلته. إذ في اعتقادهم ، يجب أن يكون الرجال أقوياء على كل الأصعدة… لكن بالرغم من ذلك كانوا مستعدّين للقيام بأي شيء لكي تتحسن حالة جاد.

عندما وصل جاد إلى المركز، استمعت العاملة الإجتماعية إلى قصّته، وأحالته بسرعة إلى معالجة نفسية، حيث كان من الواضح أنه بحاجة إلى دعم عاجل. تمّ تشخيص حالته بالاكتئاب الشديد وتمّ إعطاؤه معلومات حول الحالة وخيارات العلاج. ثم تمت إحالته إلى طبيب نفسي نصحه بالذهاب إلى المستشفى للحصول على دعم مكثّف. مكث هناك لمدة عشرة أيام. وبعد الانتهاء من هذا الجزء من العلاج، عاد إلى المنزل، حيث تابعه الطبيب النفسي والعاملة الإجتماعية. في هذه الأوقات بدأ يتذكّر من كان. تذكّر أنّه كان جاد الذي أحبّ الحياة.

زارته العاملة الإجتماعية مرات عدّة للتأكد من أنّه أدرك ما حدث معه، ولمساعدته مع عائلته. كلمات جاد الخاصة “أريد حياة أفضل” أوضحت ما الذي جعله يمضي قدمًا.

لعبت زوجته وأطفاله دوراً مهماً في رفع معنوياته. شيئًا فشيئًا، بدأت طرق البقاع تحظى بهويّتها الخاصة. إلتمس جاد أهمية العناية بصحّته النفسية، وقال: “بدأت أرى الضوء في نهاية النفق… زاد إيماني، أصبحت حرًّا في أفكاري. وجود شخص أطلعني على ما أقوم به، وساعدني في العثور على طرق أرى من خلالها بشكل مختلف، واستمع إلي قد ساعدني على التنفس مرّة أخرى… مرّت سنتان على انتهاء هذه الفترة المظلمة… وشعرت وكأنّها سنتان وعمر من الزمن…”